-->
الدعوة والحياة للشيخ مصطفى بن داود الجزائري الدعوة والحياة للشيخ مصطفى بن داود الجزائري
الردود على المتعصبة

آخر الأخبار

الردود على المتعصبة
recent
جاري التحميل ...
recent

جواز الصلاة في المقبرة عند المالكية

جواز الصلاة في المقبرة عند المالكية

يقول عبد الوهاب مهية :


اعلم – وفقني الله وإياك إلى الصواب وألهمنا قبوله والعمل به – أن الصلاة في المقبرة جائزة مشروعة ، لأن المقبرة جزء من الأرض التي جعلت مسجدا وطهورا لهذه الأمة ، إكراما لنبيّها صلى الله عليه و سلم وتشريفا ]عطاء غير مجذوذ [ وفضلا غير منقوص ولا مأخوذ . وقد ذهب إلى هذا جمهر العلماء ، من المحدثين والفقهاء ، يعضدهم في ذلك الأثر ، ويؤيدهم النظر. فقد روى الشيخان وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ]أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركه الصلاة فليصلّ ... إلخ [

وأخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ]فضّلت على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، وذكر خصلة أخرى[ .

وإخرج أحمد و الترميذي والبهيقي عن أبي أمامة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ]إن الله عز وجل فضلني عن الأنبياء ، أو قال : أمتي على الأمم بأربع : أرسلني إلى الناس كافة ، وجعل لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت الصلاة رجلا من أمتي عنده مسجده وطهوره] [ .

وعند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو : ]فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت [.

قلت : هذا حديث عظيم ، ذكر فيه النبي صلى الله عليه و سلم نعمة الله عليه وعلى أمته ، والحبوة التي خصه الله بها ، والحظوة التي نالتها أمته بانتسابها إليه .

وقد رواه جماعة فاضلة من الصحابة رضوان الله عليهم .

قال الحافظ بن عبد البر رحمه الله (التمهيد : 5/223) : هي آثار كلها صحاح ثابتة .

قلت : حديث جابر رضي الله عنه أخرجه الشيخان ، وحديثي أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما أخرجهما مسلم . وأحاديث ابن عباس وأبي موسى وأبي ذر الغفاري وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم رواها كلها أحمد في " المسند " بأسانيد حسان كما في " الفتح " (1/426) .

وفي الباب عن جماعة أخرى من الصحابة ، منهم علي بن أبي طالب عند أحمد وأنس بن مالك أخرجه السراج في مسنده بإسناد ، قال العراقي : صحيح ، وأبو أمامة أخرجه أحمد والترمذي في " السنن " في كتاب " السير " وقال : " حسن صحيح " وابن عمر أخرجه البزار والطبراني ، والسائب بن يزيد أخرجه أيضا الطبراني (1) .(11– راجع في هذا "مجمع الزوائد" للهيثمي (1/260،261)و(8/258،269).وانظر"تحفة الأحوذي"(1/263).

والحديث سيق في معرض الامتنان بمنح وعطايا المّان ، وأباح بمنطوقه إباحة الصلاة في أي بقعة من الأرض من غير استثناء .

لكن- كما هو الحال – هناك من يخالف ، فزعم أن الحديث المذكور عام ، خصصه حديث : ] الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام [.

والجواب:أن هذا الاعتراض مردود من وجوه:

1-الوجه الأول:أن الحديث ضعيف،انتقده الأئمة ذووا الاختصاص ممن رسخت أقدامهم في مثل هذا الفن.

قال الترميذي-وهو أحد رواته-:هذا الحديث فيه اضطراب.
وقال الدارقطن-طبيب العلل-:المحفوظ المرسل .
ووافقه البهيقي وأشار الحافظ في (بلوغ المران) إلى أنه معلول مختلف فيه .
وقال الدارمي في " سننه " : كلهم أرسلوه .
وقال ابن عبد البر: في إسناد هذا الخبر الضعيف ما يمنع الاحتجاج به.
وقال النووي رحمه الله في " الخلاصة " : هو حديث ضعيف .
قال :ولا يعارض هذا بقول الحاكم : " أسانيده صحيحة " .فإنهم أتقن في هذا منه ولأنه قد يصحح أسانيده وهو ضعيف لاضطرابه.اهـ
فكيف يترك العمل بتلك الأحاديث الصحيحة ،الصريحة في إباحة الصلاة في أي مكان من الأرض ،ويتمسك بمثل هذا الحديث المعلول !؟!
2-الوجه الثاني : على تقدير صحة حديث الاستثناء (1) ،فأنه لا يسلم للمعترض دعوى التخصيص.

(1)- ممن صححه ،الحاكم وابن حبان،وابن حزم في (المحلى)ومن المعاصرين الشيخ الألباني .

فقد قال العلامة الحافظ ابن عبد البر رحمه الله(1/168):قوله-صلى الله عليه و سلم- ]جعلت لي الأرض مسجدا طهورا [

تلك فضيلة خص بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ،ولا يجوز عند اهل العلم في فضائله النسخ ولا الخصوص ولا الاستثناء وذلك في غير فضائله ،إذا كان أمرا أو نهيا، أو في معنى الأمر والنهي .....

قال :وبهذا يستبين أن الناسخ منها هو قوله صلى الله عليه و سلم ] جعلت لي الأرض مسجدا طهورا [

وقوله لأبي ذر: ]حيثما أدركتك الصلاة فصلِّ فإن الأرض كلها مسجد [ (1)

وقال في موضع آخر من " التمهيد " (5/221):فلو صحّ-يعني حديث الاستثناء-لكان معناه أن يكون متقدما لقوله: ] جعلت لي الأرض كلها مسجدا طهورا [ ويكون هذا القول متأخرا عنه ،فيكون زيادة فيما فضله الله به صلى الله عليه و سلم .

ثم ذكر حديث حذيفة يرفعه: ] فضلنا على الناس بثلاث جعلت الأرض كلها لنا مسجدا وجعلت تربتها طهورا....[ الحديث (2)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ،في التعليق على حديث ] جعلت لي الأرض مسجدا [:الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه (3)

قلت:ومما يدل على تأخر حديث ] جعلت لي الأرض مسجدا [ أن النبي e بذلك منصرفه من غزوة التبوك،كما في رواية عمرو بن شعيب عند أحمد بسند حسن (4)

(1) رواه أحمد والطبراني بنحوه (المجمع 8/259 )

(2) رواه مسلم في كتاب (المساجد) باب : مواضع الصلاة الحديث (4)

(3)(فتح الباري) (1/533)

(4) (فتح الباري) (1/4246)


الفضائل لا تخصص


ودليل قول أهل العلم ان الفضائل لا يجوز فيها الخصوص ،هو الاستقراء.

قال ابن عبد البر :ألا ترى أنه قال –يعني صلى الله عليه و سلم- ]ما أدري ما يفعل بي ولا بكم [ (1)

ثم نزلت : ]ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [

وسمع رجل يقول له : يا خير البرية!فقال : ]ذاك إبراهيم ! [ ،وقال: ]السيد هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ثم قال بعد ذلك كله ،أنا سيد ولد آدم ولا فخر! [.اهـ

(1)-قال محقق التمهيد: يشير إلى قوله تعالى في سورة الأحقاف " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " اهـ

قلت :بل يشير إلى قوله صلى الله عليه و سلمe في الحديث :" والله ما أدري-وأنا رسول الله-ما يفعل بي ! " رواه البخاري برقم (1243) ورواه عبد بن حميد بلفظ المنصف .

قلت :ومنها قوله صلى الله عليه و سلم في أولاد المشركين : ]الله أعلم بما كنوا عاملين [ (1)

ثم قال : ]سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم ! [ (2) ويعني باللاهين الأطفال.

وقال- صلى الله عليه و سلم-: ]يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب [ (3)

ثم قال : ]استزدت ربي فزادني مع كل الف سبعين ألفا [ (4) ثم قال بعد ذلك : ]وعدني ربي أن يدخل الجنة من امتي سبعين الفا ،لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي [ (5)

ومنها قوله صلى الله عليه و سلم : ]أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة [ (6) ، ثم قال : ]أهل الجنة عشرون ومائة صف ، ثمانون منها من هذه الأمة ،وأربعون من سائر الأمم ![ (7)

(1)- رواه البحاري برقم (1384) (2)- رواه ابو يعلى واسناده حسن .كذا في (الفتح 2/246)

(3)- رواه البخاري برقم (6542) (4)- أحمد وغيره وسنده جيد كما في (الفتح 11/410 )

(5)- رواه الترميذي وحسنه وابن حيان وصححه عن حديث أبي أمامة (6)- الترميذي في باب:ما جاء في وصف أهل الجنة من حديث أبي مسعود وصححه. (7)- الترميذي في نفس الباب من حديث بريدة وحسنه .

يعني أن هذه الأمة ثلااثة أرباع اهل الجنة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!

وهذا باب طويل ،لو استقصناه لضاق المقام ، وصرفنا عن بلوغ المرام ، وحسبنا أننا ذكرنا ما يكفي أن يكون دليلا على أن فضائله-صلى الله عليه وسلم- لا تخصص ،ولا يطرأ عليها النقصان بل هي في ازديادإلى أن لقي الله تعالى .وكل كلام يخالف هذا فسببه الذهول عن هذه النكتة الطيفة والقاعدة العظيمة .

تحقيق معنى المقبرة

3-الوجه الثالث : لرد الإعتراض بحديث ﴿ الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ﴾ ،على تقدير صحته وصلاحه للتخصيص ، ودون ذلك خر القتاد ،وهو لغوي يبحث في معنى (لمقبرة ) عند أهل اللغة . فاعلم أنها تطلق عندهم على الموضع الذي يضم الأجداث قال في : (القاموس): المقبرة موضع القبور .

قلت :وفي التنزيل : ﴿ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ﴾، أي صرتم إلى القبور ودفنتم فيها .

وفي السنة من حديث أبي هريرة : ﴿ صلوا في بيوتكم لا تجعلوها مقابر ﴾،ومن حديث أبن عمر: ﴿لا تتخذوها قبورا ﴾ .

واللفظان يدلا ن على أن المقابر هي القبور، لكن الشيخ الألباني لم يرتض هذا الجمع ،ورد على من قال : إن الحديثين يدلان على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر-مع أنه هو المعنى المتبادر من ظاهر الحديثين – قال :لأن حديث ابن عمر مخالف لحديث أبي هريرة ،فلا يحسن حمله عليه ،وعلل ذلك فقال : لأن الصلاة في القبر غير ممكنة عادة ،فكيف يحمل كلام الشارع عليه ؟ اهـ من ( أحكام الجنائز ص.213).

قلت: كلام الشارع متجانس كله ، يصدق بعضه بعضا ، وليس بين الحديثين مخالفة تمنع من حمل أحدهما على الآخر ، فالقبور هي المقابر ،والعكس صحيح .لأن لفظة (المقابر) في حديث ابي هريرة جمع (مقبر) اسم مكان من : قبر يقبر المقبر ، وليس جمع (مقبرة) .انظر (تاج العروس للزبيدي 3/478) .

وفي صحيح مسلم (1/218) عن أبي هريرة رضي الله عنه : ﴿أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج إلى المقابر فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ﴾.

ورواه أحمد أيضا (المسند 2/375) وسيأتي التعرض له قريبا فقوله : ﴿خرج إلى المقابر﴾ لا شك أنه يريد القبور التي في مقبرة البقيع .

أقول :ولأن الصلاة في القبر غير ممكنة عادة كما قرر الشيخ الألباني نفسه فإن المعنى يكون: أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن نجعل بيوتنا كالقبور كما لو أنها غير ممكنة التعبد . ومما ينبغي أن ننبه إليه ،هو أن الشيخ الألباني ليس بحجة في اللغة وفقهها ،وهذا لا يقدح في عمله ،ولا ينقص من قدره ،ولكن لكل فن اهله .

قال ابن قتيبة رحمه الله: المنفرد بفن من الفنون ،لا يعاب بالزلل في غيره ،وليس على المحدث عيب أن يزل في الإعراب ،ولا على الفقيه ان يزل في الشعر ،وإنما يجب على كل ذي علم أن يتقن فنه ،إذا احتاج الناس إليه وانعقدت إليه الرئاسة به.أهـ (1).

وقد قال أهل اللغة : أن (المقبرة) هي مجتمع القبور ،قال الزهاوي :

يسير إلى المقابر كل يوم * أخ منها التراب به يزيد

ويعني بالمقابر القبور .

(1)- ((تأويل مختلف الحديث)،(ص87)

ويشهد له حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : ]خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما إلى المقابر فاتبعناه ،فجاء حتى جلس إلى قبر أمه ... [، وذكر الحديث (1) .وقد تقدم حديث أبي هريرة قريبا فتذكره.

ومن العلماء من فرق في (المقبرة) بين فتح الباء وضمها ،قال العيني رحمه الله :- (المقبرة) بضم الباء هو المسموع والقياس فتحها .وفي " شرح الهادي " : أن ما جاء على مفعلة بالضم يراد بها أنها موضوعة لذلك ومتخذة له ،فإذا قالوا: (المقبرة) –بالفتح- أي مكان الفعل (أي القبر) ،وإذا ضموا أرادوا البقعة التي من شأنها أن يقبر فيها .اهـ (2) .

قلت :وسواء كانت كلمة (المقبرة) في الحديث ، على الاسم أو على الفعل ،فإنه لا ينتهض بأي حال لمقاومة الأدلة القوية في جواز الصلاة في المقبرة على المعنيين كليهما !

(1)-رواه ابن ماجة والحاكم مختصرا كما في (الزوائد3/58)وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم،قال الهيثمي:حديث حسن،قلت:وله شاهد من حديث زيد ابن الخطاب

(2)- (عون المعبود) للعظيم آبادي (1/183)







إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

عن الموقع

عن الموقع
موقع الدعوة والحياة من إنشاء الشيخ الجزائري مصطفى بن داود يسعى هذا الموقع لنشر العقيدة الصحيحة والدفاع عن الفقه المالكي وتبيين أدلته كما يسعى أيضا للرد عن بعض المخالفين المتعصبين .

زوار الموقع

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة