الدعاء ورفع اليدين بعد الصلاة
فإن مشروعية الدعاء بعد الصلاة المفروضة جهراً قد تكلم في جوازها كثير من ائمة الاسلام وفقهائه مستدلين بما ورد من صريح الايات ومجموع الاحاديث النبيوية، وقد ذهب جمهور أهل العلم وعليه المذاهب الأربعة - إلى مشروعية الدعاء بعد السلام من المكتوبات وهذه بعض أقوالهم في ذلك:
فقد قال الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب)، قال كثير من المفسرين: المراد به إذا فرغت من الصلاة فانصب إلى الله بالدعاء ففي الدر المنثور 6/364 : وروى الترمذي 5/526 : (عن أبي أمامة قال قيل لرسول الله صلى الله عليه سلم : أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات) اهـ قال الترمذي : هذا حديث حسن
وروى البخاري في تاريخه الكبير 6/80 : (عن المغيرة رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر صلاته) اهـ ، ووردت أحاديث كثيرة في : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دبر المكتوبات،
وهذه بعض أقوالهم في ذلك:
من أقوال الحنفية :
في البحر الرائق لأبن نجيم 1/349 : (وعن أبي إمامة قال قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات رواه الترمذي وحسنه، والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها وقد يراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يلي وقت الخروج ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه وأولى باستحبابه) اهـ.
من أقوال المالكية :
في مواهب الجليل 2/126 : ( ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام اسمع الدعاء جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبات ) اهـ ، وفي المدخل لابن الحاج 2/280: ( والسنة الماضية ألا يترك الذكر والدعاء عقيب الصلاة..)اهـ.
من أقوال الشافعية
قال الإمام النووي في المجموع 3/448 : (اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ، ويستحب أن يدعو أيضا بعد السلام بالاتفاق وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب الأذكار )
من أقوال الحنابلة :
وفي الفروع لابن مفلح 1/399 : (ويدعو الإمام بعد الفجر والعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون على الدعاء والأصح وغيرهما جزم به صاحب المحرر وغيره ولم يستحبه شيخنا بعد الكل لغير أمر عارض كاستسقاء واستنصار ) اهـ
مشروعية الرفع في الدعاء بعد السلام
فإن الأصل هو رفع اليدين حال الدعاء مطلقاً؛ وذلك إظهاراً للذل والانكسار، والفقر إلى الله سبحانه، وتضرعاً واستجداءً لنواله، وهو من آداب الدعاء المتفق عليها، وأسباب إجابته؛ لما فيه من إظهار صدق اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه؛ كما يشير إليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"، وفيه: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب"
(رواه مسلم).
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في "الفتاوى الكبرى": "ويسن للداعي رفع يديه والابتداء بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يختمه بذلك كله وبالتأمين"، وقال: "وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة".
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه كلما دعا؛ ففي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: "فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ، ثم رفع يديه، ثم قال: "اللهم اغفر لعبيد أبي عامر"، حتى رأيت بياض إبطيه..." الحديث.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة خالد لما أمره أصحابه بقتل ما بأيديهم من أسرى، وفيه: "فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رفع يديه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" (مرتين).
وقد بوب البخاري في "صحيحه" أيضاً لهذه المسألة فقال: "باب رفع الأيدي في الدعاء"، وأشار ضمن هذه الترجمة لهذين الحديثين وغيرهما.
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم": "قد ثبت رفع يديه في الدعاء في مواطن، وهي أكثر من أن تحصى". قال: وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثاً من "الصحيحين"
ومن المعلوم أن رفع اليدين في الدعاء ثابت بأحاديث بلغت مبلغ التواتر المعنوي؛ قال الإمام السيوطي في الألفية: خمس وسبعون رووا "من كذبا" * ومنهم العشرة ثم انتسبا لها حديث "الرفع لليدين" * و"الحوض" و"المسح على الخفين"
رد الشيخ ابن حجر العسقلاني على الشيخ ابن القيم
فالدعاء بعد الصلاة المفروضة مشروع لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة وقد بوب البخاري بذلك قال " باب الدعاء بعد الصلاة " قال الحافظ في الفتح أي المكتوبة، وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لايشرع، متمسكاً بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يتثبت إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذ الجلال والإكرام. والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالساً على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر، فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه. فيحتمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه.
ثم نقل الحافظ كلام ابن القيم في الهدي والذي فهم منه بعض أهل العلم أنه ينفي فيه مشروعية الدعاء بعد الصلاة مطلقاً، ثم ذكر الحافظ عقب ذلك أن دعوى نفي مشروعية الدعاء بعد الصلاة مطلقاً مردودة. وساق بعض ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كحديث معاذ بن جبل حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
وحديث زيد بن أرقم" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة:"اللهم ربنا ورب كل شيء " الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.
وحديث صهيب رفعه: كان يقول إذا انصرف من الصلاة:" اللهم أصلح لي ديني …" الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان.
ثم قال: فإن قيل المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها وهو التشهد قلنا: قد ورد الأمر بالذكر دبر كل
صلاة ، والمراد به بعد الصلاة إجماعاً فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه. وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال : "جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة".
ثم ذكر الحافظ أن حاصل كلام ابن القيم يفيد أن ما نفاه من مشروعية الدعاء بعد الصلاة مقيد باستمرار استقبال المصلي القبلة وإيراده له بعد السلام. وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذ. انتهى كلام الحافظ مختصراً.
وهو كما قال الحافظ فإن ابن القيم بعد ما نفى مشروعية الدعاء بعد الصلاة قال: " إلا أن هنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء . إلى آخره كلامه.
وذهب بعض العلماء الى مشروعية الدعاء ولكن لا يرفع المصلي يديه
الشيخ بن ياز الدعاء بعد الصلاة الفريضة، بأن يدعو الإنسان لنفسه منفردا، وبدون رفع صوت، هذا مشروع ومطلوب، لا بأس به، بل هو مشروع ومطلوب، لأنه وقت إجابة، بعد فراغ من العبادة وإدبار الصلوات، الدعاء.. الإنسان يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين ولوالديه، بما شاء من الأدعية النافعة، بصوت منخفض، بينه وبين نفسه، ولا يرفع يديه، هذا مطلوب.
أما رفع اليدين بعد الفريضة فهذا بدعة، لأنه لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل صحابته، ما كانوا يرفعون أيديهم بعد الفرائض؛ وإنما كل يدعوا لنفسه بدون رفع صوت، وبدون صوت جماعي، وبدون واحد يدعو أو الإمام يدعو والجماعة يؤمنون، كل هذا من البدع، كل هذا من البدع المخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما بعد النافلة؛ بعد النافلة لا بأس أن الإنسان يدعو ويرفع يديه، لأن الأصل في الدعاء رفع اليدين، إلا في المواضع التي دعى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع يديه؛ لم يرفع يديه بعد الفريضة نحن لا نرفع أيدينا بعد الفريضة؛ أما النافلة فالأمر فيها واسع، بعد النافلة.
قول الشيخ العثيميين ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم الصلاة رفع يديه ودعا، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو بعد أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث ابن مسعود حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء".
وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى إن بعضهم تكاد تقول إنه لم يدع؛ لأنك تراه تقام الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً كأنه والله أعلم رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع. فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع.
خلاصة القول
الخلاف بين العلماء ليس في الدعاء بل في رفع اليدين عند الدعاء فمنهم من قال بخصوصية الرفع فلا نرفع الا في المواضع التي رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال بالاطلاق وجعله من اداب الدعاء ومن هنا فان قول الجمهور من علمائنا على ان
الدعاء بعد الصلاة مشروع، إلا أنه كغيره من السنن لا بأس أن يفعل تارة ويترك تارة أخرى، لئلا يظنه الجاهل واجباً لا بد منه بعد الصلاة .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
فإن مشروعية الدعاء بعد الصلاة المفروضة جهراً قد تكلم في جوازها كثير من ائمة الاسلام وفقهائه مستدلين بما ورد من صريح الايات ومجموع الاحاديث النبيوية، وقد ذهب جمهور أهل العلم وعليه المذاهب الأربعة - إلى مشروعية الدعاء بعد السلام من المكتوبات وهذه بعض أقوالهم في ذلك:
فقد قال الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب)، قال كثير من المفسرين: المراد به إذا فرغت من الصلاة فانصب إلى الله بالدعاء ففي الدر المنثور 6/364 : وروى الترمذي 5/526 : (عن أبي أمامة قال قيل لرسول الله صلى الله عليه سلم : أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات) اهـ قال الترمذي : هذا حديث حسن
وروى البخاري في تاريخه الكبير 6/80 : (عن المغيرة رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر صلاته) اهـ ، ووردت أحاديث كثيرة في : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دبر المكتوبات،
وهذه بعض أقوالهم في ذلك:
من أقوال الحنفية :
في البحر الرائق لأبن نجيم 1/349 : (وعن أبي إمامة قال قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات رواه الترمذي وحسنه، والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها وقد يراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يلي وقت الخروج ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه وأولى باستحبابه) اهـ.
من أقوال المالكية :
في مواهب الجليل 2/126 : ( ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام اسمع الدعاء جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبات ) اهـ ، وفي المدخل لابن الحاج 2/280: ( والسنة الماضية ألا يترك الذكر والدعاء عقيب الصلاة..)اهـ.
من أقوال الشافعية
قال الإمام النووي في المجموع 3/448 : (اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ، ويستحب أن يدعو أيضا بعد السلام بالاتفاق وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب الأذكار )
من أقوال الحنابلة :
وفي الفروع لابن مفلح 1/399 : (ويدعو الإمام بعد الفجر والعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون على الدعاء والأصح وغيرهما جزم به صاحب المحرر وغيره ولم يستحبه شيخنا بعد الكل لغير أمر عارض كاستسقاء واستنصار ) اهـ
مشروعية الرفع في الدعاء بعد السلام
فإن الأصل هو رفع اليدين حال الدعاء مطلقاً؛ وذلك إظهاراً للذل والانكسار، والفقر إلى الله سبحانه، وتضرعاً واستجداءً لنواله، وهو من آداب الدعاء المتفق عليها، وأسباب إجابته؛ لما فيه من إظهار صدق اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه؛ كما يشير إليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"، وفيه: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب"
(رواه مسلم).
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في "الفتاوى الكبرى": "ويسن للداعي رفع يديه والابتداء بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يختمه بذلك كله وبالتأمين"، وقال: "وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة".
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه كلما دعا؛ ففي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: "فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ، ثم رفع يديه، ثم قال: "اللهم اغفر لعبيد أبي عامر"، حتى رأيت بياض إبطيه..." الحديث.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة خالد لما أمره أصحابه بقتل ما بأيديهم من أسرى، وفيه: "فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رفع يديه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" (مرتين).
وقد بوب البخاري في "صحيحه" أيضاً لهذه المسألة فقال: "باب رفع الأيدي في الدعاء"، وأشار ضمن هذه الترجمة لهذين الحديثين وغيرهما.
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم": "قد ثبت رفع يديه في الدعاء في مواطن، وهي أكثر من أن تحصى". قال: وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثاً من "الصحيحين"
ومن المعلوم أن رفع اليدين في الدعاء ثابت بأحاديث بلغت مبلغ التواتر المعنوي؛ قال الإمام السيوطي في الألفية: خمس وسبعون رووا "من كذبا" * ومنهم العشرة ثم انتسبا لها حديث "الرفع لليدين" * و"الحوض" و"المسح على الخفين"
رد الشيخ ابن حجر العسقلاني على الشيخ ابن القيم
فالدعاء بعد الصلاة المفروضة مشروع لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة وقد بوب البخاري بذلك قال " باب الدعاء بعد الصلاة " قال الحافظ في الفتح أي المكتوبة، وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لايشرع، متمسكاً بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يتثبت إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذ الجلال والإكرام. والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالساً على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر، فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه. فيحتمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه.
ثم نقل الحافظ كلام ابن القيم في الهدي والذي فهم منه بعض أهل العلم أنه ينفي فيه مشروعية الدعاء بعد الصلاة مطلقاً، ثم ذكر الحافظ عقب ذلك أن دعوى نفي مشروعية الدعاء بعد الصلاة مطلقاً مردودة. وساق بعض ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كحديث معاذ بن جبل حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
وحديث زيد بن أرقم" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة:"اللهم ربنا ورب كل شيء " الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.
وحديث صهيب رفعه: كان يقول إذا انصرف من الصلاة:" اللهم أصلح لي ديني …" الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان.
ثم قال: فإن قيل المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها وهو التشهد قلنا: قد ورد الأمر بالذكر دبر كل
صلاة ، والمراد به بعد الصلاة إجماعاً فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه. وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال : "جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة".
ثم ذكر الحافظ أن حاصل كلام ابن القيم يفيد أن ما نفاه من مشروعية الدعاء بعد الصلاة مقيد باستمرار استقبال المصلي القبلة وإيراده له بعد السلام. وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذ. انتهى كلام الحافظ مختصراً.
وهو كما قال الحافظ فإن ابن القيم بعد ما نفى مشروعية الدعاء بعد الصلاة قال: " إلا أن هنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء . إلى آخره كلامه.
وذهب بعض العلماء الى مشروعية الدعاء ولكن لا يرفع المصلي يديه
الشيخ بن ياز الدعاء بعد الصلاة الفريضة، بأن يدعو الإنسان لنفسه منفردا، وبدون رفع صوت، هذا مشروع ومطلوب، لا بأس به، بل هو مشروع ومطلوب، لأنه وقت إجابة، بعد فراغ من العبادة وإدبار الصلوات، الدعاء.. الإنسان يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين ولوالديه، بما شاء من الأدعية النافعة، بصوت منخفض، بينه وبين نفسه، ولا يرفع يديه، هذا مطلوب.
أما رفع اليدين بعد الفريضة فهذا بدعة، لأنه لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل صحابته، ما كانوا يرفعون أيديهم بعد الفرائض؛ وإنما كل يدعوا لنفسه بدون رفع صوت، وبدون صوت جماعي، وبدون واحد يدعو أو الإمام يدعو والجماعة يؤمنون، كل هذا من البدع، كل هذا من البدع المخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما بعد النافلة؛ بعد النافلة لا بأس أن الإنسان يدعو ويرفع يديه، لأن الأصل في الدعاء رفع اليدين، إلا في المواضع التي دعى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع يديه؛ لم يرفع يديه بعد الفريضة نحن لا نرفع أيدينا بعد الفريضة؛ أما النافلة فالأمر فيها واسع، بعد النافلة.
قول الشيخ العثيميين ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم الصلاة رفع يديه ودعا، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو بعد أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث ابن مسعود حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء".
وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى إن بعضهم تكاد تقول إنه لم يدع؛ لأنك تراه تقام الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً كأنه والله أعلم رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع. فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع.
خلاصة القول
الخلاف بين العلماء ليس في الدعاء بل في رفع اليدين عند الدعاء فمنهم من قال بخصوصية الرفع فلا نرفع الا في المواضع التي رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال بالاطلاق وجعله من اداب الدعاء ومن هنا فان قول الجمهور من علمائنا على ان
الدعاء بعد الصلاة مشروع، إلا أنه كغيره من السنن لا بأس أن يفعل تارة ويترك تارة أخرى، لئلا يظنه الجاهل واجباً لا بد منه بعد الصلاة .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين