الحمد لله رب العالمين وبعد :
نسأل الله أن يحفظنا
وإياكم من كل مكروه وسوء ، وأن يصرف عنا وعنكم كيد شياطين الإنس والإنس ، إنه هو خير
حافظا ، وهو أرحم الراحمين .
وأما ما يراه النائم
في نومه فهو ثلاثة أنواع : رؤيا ، وهي من الله تعالى ، وحلُم وهو من الشيطان ، وحديث
النفس .
فالرؤيا : هي مشاهدة
النائم أمراً محبوباً ، وهي من الله تعالى ، وقد يراد بها تبشير بخير ، أو تحذير من
شر ، أو مساعدة وإرشاد ، ويسن حمد الله تعالى عليها ، وأن يحدث بها الأحبة دون غيرهم
.
والحلُم : هو ما
يراه النائم من مكروه ، وهو من الشيطان ، ويسن أن يتعوذ بالله منه ويبصق عن يساره ثلاثا
، وأن لا يحدِّث به ، فمن فعل ذلك لا يضره ، كما يستحب أن يتحول عن جنبه ، وأن يصلي
ركعتين .
وقد يكون ما يراه
النائم ليس رؤيا ولا حلما ، وإنما هو حديث نفس ، ويسمى " أضغاث أحلام " ،
وهو عبارة عن أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن ، يعيد تكوينها مرة أخرى في أثناء
النوم ، كمن يعمل في حرفة ويمضي يومه في العمل بها وقبل نومه يفكر فيها ، فيرى ما يتعلق
بها في منامه ، وكمن يفكر في معشوقه فيرى ما يتعلق به ، ولا تأويل لهذه الأشياء .
عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ،
وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا
ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث المرء
نفسه ... " رواه مسلم ( 2263 ) .
قال الشيخ ابن
عثيمين – رحمه الله - :
معنى قوله صلى
الله عليه وسلم : " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " :
أن رؤيا المؤمن تقع صادقة ؛ لأنها أمثال يضربها الملك للرائي ، وقد تكون خبراً عن شيء
واقع ، أو شيء سيقع فيقع مطابقاً للرؤيا ، فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها
، وإن كانت تختلف عنها ، ولهذا كانت جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة .
" مجموع فتاوى
الشيخ ابن عثيمين " ( 1 / 327 )
فرؤيا المؤمن وصفت
في الأحاديث بأنها " صادقة " و " صالحة " و " من الله
" ، ومعنى " صادقة " سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين أنها تقع صادقة ،
ومعنى " صالحة " أنها تكون بشارة أو تنبيها على غفلة ، ومعنى كونها
" من اللّه " أي : من فضله ورحمته ، أو من إنذاره وتبشيره ، أو من تنبيهه
وإرشاده .
ووصف الحلم بأنه
" تحزين " و أنها " من الشيطان " ، ومعنى " تحزين "
أي : لكي يحزنه ويكدِّر عليه حياته ، ومعنى
" من الشيطان " أي : أنه من إلقائه وتخويفه ولعبه بالنائم .
قال الشيخ ابن
عثيمين – رحمه الله – في بيان هذا النوع - :
إفزاع من الشيطان
، فإن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيء في نفسه ، أو ماله ، أو في أهله
، أو في مجتمعه ؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى : { إنما النجوى
من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله } ، فكل شيء ينكِّد
على الإنسان في حياته ويعكِّر صفوه عليه : فإن الشيطان حريص عليه ، سواء ذلك في اليقظة
أو في المنام ؛ لأن الشيطان عدو كما قال الله تعالى { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً
} .
" مجموع فتاوى
الشيخ ابن عثيمين " ( 1 / 329 ) .
وقد دلَّنا النبي
صلى الله عليه وسلم على ما نفعله إذا رأى الإنسان في نومه ما يكرهه فقام على إثره ،
وهي : التفل عن اليسار ، والتعوذ من الشيطان ، وتغيير الجنب ، والصلاة إن شاء وأن لا
يحدث بها الناس .
وننبه إلى أمرٍ
مهم وهو أن الإنسانَ إذا كان صالحاً مستقيماً على طاعة الله تعالى ، فإنه لا يضره أن
يرى نفسه أو يُرى على حالةٍ لا تسر ، وإذا كان سيئاً عاصياً في يقظته فإنه لا ينفعه
أن يرى نفسه أو يُرى على أحسن حال .
قال ابن مفلح
:
قال هشام بن حسان
: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول : اتق الله وأحسن
في اليقظة , فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم .
" الآداب
الشرعية " ( 3 / 451 ) .
وقال :
قال المروذي :
أَدخلت إبراهيم الحميدي على أبي عبد الله وكان رجلا صالحا فقال : إن أمي رأت لك كذا
وكذا وذكرت الجنة ، فقال : يا أخي إن " سهل بن سلامة " كان الناس يخبرونه
بمثل هذا , وخرج سهل إلى سفك الدماء وقال : الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره .
" الآداب
الشرعية " ( 3 / 453 ) .
والخلاصة :
أنه قد تكون في
الرؤيا تحذير للإنسان وتنبيه له أو لغيره من غفلة يعيشها ، أو معصية يرتكبها ، أو خاتمة
سوء إن استمر على ما هو عليه من انحراف وضلال ، وهذا لا يكون في الحلم الذي هو من تحزين
الشيطان وتنكيده ، بل يكون من الله بفضله ورحمته ، فيمكن للإنسان إذا رأى في منامه
ما يوجب تنبيه وتحذير الآخرين أن يفعل ذلك ، وكذا لو رأى ما ينبهه ويحذره هو .
ولك أن تحذِّر
قريبك من مكيدة محتملة ، أو سوء متوقع لكن دون أن تخصص له أحداً بعينه ، فإن كان ما
تخشى شره ، فقد أخذتم حذركم ، ولم يضركم شيء ، إن شاء الله ، وإن تخلف ما تخشون ، ولم
تكن الرؤيا على ما خفتم وقوعه ، لم يضركم شيء ، ما دمتم لم تتكلموا في حق أحد بسوء
، ولم تعتدوا على أحد .
وانظر – للمزيد
– حول الرؤى والأحلام جواب السؤال رقم ( 6537 ) .
والله أعلم
![]() |
الأحلام المزعجة |