أول شيء خلقه الله هو الماء
الحمد لله رب العالمين وبعد :
أ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )
رواه مسلم ( 2653 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
- :
فهذا يدل على أنه قدَّر إذ كان عرشه على الماء ،
فكان العرش موجوداً مخلوقاً عند التقدير لم يوجد بعده .
" الصفدية " ( 2 / 82 ) .
ب. وعن عمران بن حصين عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) .
رواه البخاري ( 3019 ) .
( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ
فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .
رواه البخاري ( 6982 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
- :
وفي رواية ( ثم كتب في الذِّكر كل شيء ) فهو
أيضاً دليل على أن الكتابة في الذكر كانت والعرش على الماء .
" الصفدية " ( 2 / 82 ) .
قال ابن القيم - رحمه الله – في النونية
:
والناس مختلفون في القلم الذي *** كُتِبَ القضاء
به من الديَّانِ
هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي
العلا الهمذاني
والحق أن العرش قبل لأنه *** عند الكتابة كان ذا
أركانِ
فالصحيح أن القلم مخلوق بعد العرش ، ويكون قوله
في الحديث ( فأَوَّلَ ما خَلَقَ الله القلم قال له اكتب ) يعني : حين خَلَقَ الله
القلم ، فتكون ( ما ) هنا مصدرية وليست موصولة .
وخلق العرش قبل القلم لا يعني بالضرورة أنه خلق
قبل " الماء " ، وغاية ما يمكن أن يقال إنهما خلقا معاً ، أما أن يكون
العرش خُلف قبله فليس بظاهر .
ومن أدلة الذين قالوا بأن الماء أول المخلوقات
:
1. عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ؟ قَالَ : ( كَانَ
فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ
عَلَى الْمَاءِ ) .
رواه الترمذي ( 3109 ) وابن ماجه
( 182 ) .
ولفظه عند ابن ماجه - وأحمد ( 26 / 108 ) – (
ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ) .
والحديث صححه الطبري ، وحسَّنه الترمذي والذهبي
وابن تيمية ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .
قال الترمذي :
قال أحمد بن منيع : قال يزيد بن هارون : العماء :
أي : ليس معه شيء .
" سنن الترمذي " ( 5 / 288 ) وقيل : معنى
" عماء " : السحاب الأبيض .
قال الطبري – رحمه الله – وهو يرى أن القلم أول
المخلوقات مطلقا وأنه قبل الماء وقبل العرش - :
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب : قول من قال
إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش ؛ لصحة الخبر الذي ذكرتُ قبلُ عن أبي
رزين العقيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حين سئل أين كان ربنا عز
وجل قبل أن يَخْلُق خلقَه قال : ( كان في عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ،
ثم خلق عرشه على الماء ) ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله خلق عرشه على الماء ،
ومحال ـ إذ كان خلَقَه على الماء ـ أن يكون خلَقَه عليه ، والذي خلقه عليه غير
موجود ، إما قبله أو معه .
فإذا كان ذلك كذلك : فالعرش لا يخلو من أحد أمرين
: إما أن يكون خُلق بعد خَلق الله الماء ، وإما أن يكون خُلق هو والماء معاً ،
فأما أن يكون خَلْقُه قبل خلق الماء : فذلك غير جائز صحته على ما روي عن أبي رزين
عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" تاريخ الطبري " ( 1 / 32 ) .
وقد جزم الحافظ ابن حجر بأن حديث عمران بن حصين
رضي الله عنه يدل على أن الماء سابق على العرش . انظر : " فتح الباري
" ( 6 / 289 ) .
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي
فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ : ( كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ )
.
رواه أحمد ( 13 / 314 ) ، وقال الحافظ ابن حجر في
" فتح الباري " ( 5 / 29 ) : إسناده صحيح ، وصححه محققو مسند أحمد
.
3. عن أبي هريرة قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ
مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ قَالَ : ( مِنَ الْمَاءِ ) .
رواه الترمذي ( 2526 ) .
قال الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي
" : صحيح دون قوله ( مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ) .
انتهى
قلت : ويشهد له ما قبله ، فأقل أحوال اللفظة أن
تكون حسنة .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله
- :
وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة لما سأله :
" ممَّ خُلِقَ الخَلْقُ " فقال له: ( مِنَ المَاءِ ) : يدل على أن الماء
أصل جميع المخلوقات ، ومادتها ، وجميع المخلوقات خُلقت منه .
وقال :
وقد حكى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود وطائفة من
السلف : أن أول المخلوقات الماء .
" لطائف المعارف " ( ص 21 ، 22 )
.
والله تعالى أعلم