مع الإخلاص و المخلصين
الحمد لله معزّ من أطاعه
واتقاه، ومذلّ من خالف أمره وعصاه، قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، لا يذل من والاه
ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره
حمدًا وشكرًا يملآن أرضه وسماه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته
من خلقه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ولكل من
نصره ووالاه.
((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) آل عمران:102
عباد الله سنقف واياكم في هذه الخطبة مع
الاخلاص والمخلصين
الاخلاص عباد الله هو حقيقة الدين
ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام
قال تعالى ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ )) البينة5
والإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال الإمام ابن حزم رحمه الله: النية سر العبودية
وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه،
فهو جسد خراب.
الإخلاص أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه.
الاخلاص
إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
الإخلاص هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
الإخلاص هوتصفية العمل من كل شائبة.
المخلص يا عباد الله هو من يكتم
حسناته كما يكتم سيئاته
قال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))البينة5
وقال تعالى(({قُلْ
إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))الأنعام162
و جاءعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمِعت رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم يقول: ((إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن
كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هِجرتُه لدنيا
يصيبُها أو امرأةٍ ينكِحها فهِجرته إلى ما هاجَر إليه)) رواه البخاري ومسلم
وعن أبي كبشة عمرو بن سعدٍ الأنماريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ((إنما الدّنيا لأربعة نفَر: عبدٍ
رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتّقي اللهَ ويصِل فيه رَحِمه ويَعلَم لله فيه حقًّا،
فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رَزَقه الله علمًا ولم يرزُقه مالاً، فهو صادِق النية
يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعمَل فلان، فهو و نيّته فأجرهما سواء، وعبدٍ
رزَقَه الله مالا ولم يرزقه عِلمًا، فهو يخبِط في ماله بغيرِ عِلم، لا يتّقي فيه
ربَّه ولا يصِل فيه رحِمه ولا يعلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبَثِ المنازل، وعبد لم
يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلت فيه بعمل فلان،
فهو و نيّتُه فوِزرُهما سواء)) رواه
الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"
فتدبَّر ـ أيها المسلم ـ هذه
الأعمالَ الصالحة التي أريد بها وجهُ الله والدار الآخرة وكان الإخلاص روحَها
ومبناها كيف صارَ صاحبُها منَ الفائزين المقرَّبين
يقول تعالى:: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) الملك:2،
وقال تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى
الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) الكهف:7 قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في
تفسيره: "ولم يقل: أكثر عملاً بل قال أحسن عملاً، ولا يكون العمَلُ حسنًا حتى
يكون خالصًا لله عز وجلّ على شريعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمتى فقَد
العمل واحدًا من هذين الشّرطين حبط وبطل
وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه في تفسير ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلاً)): "أَخلَصُه وأصوَبُه، فإذا كان العمل خالصًا لله ولم يكُن
صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَل، فلا بدّ أن يكون العمل خالصًا صوابًا"
ثم قرأ قوله تعالى
(( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))الكهف110
أيها الأحباب :
وأما أهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم فقال :
سبحانه و تعالى ((مَّن كَانَ يُرِيدُ
الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا
لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ))الإسراء18
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أخوف ما أخاف على أمتي
الشرك الأصغر فقالوا وما الشرك الأصغر .....
واسمعوا معي
هذا الحديث العظيم الذي يبين خطورة الرياء وعدم إخلاص العمل فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله ص يقول: ((إن أول الناس
يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به، فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت
فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال: جريء فقد قيل ثم
أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه
فعرفها، قال فما عملت؟ قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكن
تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى
ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من صنوف المال فأتي به فعرفه
نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها لك، قال:
كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في
النار)) رواه مسلم.
فاتقوا الله أيها الناس وأخلصوا أعمالكم لله وحده لا
شريك له وتعلموا أمور دينكم كي تكون صوابا يقول تعالى في كتابه المبين :
قال تعالى ((وَقَدِمْنَا
إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ))الفرقان23
فاللهم أخلص نياتنا وأجعل أعمالنا
كلها صالحة ولوجهك خالصة يارب العالمين
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
وبعد:
أيها
المسلمون
فاتقوا الله أيها الناس وكونوا عبادَ الله المخلصين واعلموا
أن الإخلاص هو أكبر قضايا
التوحيد,و هو الباب الكبير الذي يدخل به العبد على الواحد الديان, إن الإخلاص هو
الذي يبقي العمل موفوراً سليماً من العيوب والنواقص:
يَوْمَ
لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
[الشعراء:88-89]
يوم تتساقط الدعاوى والألقاب الأرضية وأوسمة التراب, وتبقى لا إله إلا الله قوية,
وتبقى سليمة, وتبقى لا إله إلا الله منجية لصاحبها.


ولذلك كان معنى لا إله إلا الله أن تخلص العبادة
لله, وكأنك إذا سجدت أو ركعت أو سبحت أو دعوت أو تكلمت تكون عبداً لله, ظاهرا وباطنا
تحمل العبودية لله الواحد الديان.
جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: {قال الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك
وتعبد غيري, ورزقتك وتشكر سواي, أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليّ
بالمعاصي وأنت فقير إليّ! خيري إليك نازل, وشرك إليّ صاعد!}
وهذا مثل العبد الذي لا يتشرف بعبودية الله, ومن
الذي لا يتشرف بعبودية الواحد الأحد؟! من الذي لا يتشرف بالإخلاص لله والصدق مع
الله؟
وتعالو معي أيها الأحباب
كي ننظر إلى بعض المشاهد وبعض صور الإخلاص التي كان يعيشها سلفنا الصالح
علي ابن الحسين ( زين
العابدين )
فقد كان علي بن الحسين
يحمل الخبز والقمح بالليل على ظهره يتبع به المساكين بالظلمة ، فالصدقة تطفيء غضب
الرب، وكان بعض الفقراء بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم فكان يضع الجراب
على ظهره ويذهب إلى أبواب المساكين فيضع الجراب ويذهب حتى لايعرفه أحد، فلما مات
عرفوا ذالك ، و رأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب والجرب بالليل لا عجب
في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة....صلى الله عليه وسلم
|

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين..