حكم
إسبال الثياب عند جمهور العلماء
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله
وصحبه أجمعين
حكم إسبال الثياب عند العلماء
إذا أسبل الرجل ثيابه إلى ما تحت الكعبين
بقصد الكبر والخيلاء فهذا محرم من غير خلاف بين العلماء ، بل هو من كبائر الذنوب .
وأما إسبال الثياب بدون قصد الكبر والخيلاء
، فهذا قد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال : التحريم ، والكراهة ، والجواز بلا
كراهة .
وجمهور العلماء من المذاهب الأربعة
على عدم التحريم ، وهذه بعض أقوال علماء المذاهب في ذلك :
ذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية"
(3/521)
" أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
ارْتَدَى بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ وَكَانَ يَجُرُّهُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَوَلَسْنَا
نُهِينَا عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ وَلَسْنَا مِنْهُمْ
" انتهى .
وانظر "الفتاوى الهندية"
(5/333) .
وأما المالكية : فذهب بعضهم إلى التحريم
كابن العربي والقرافي .
قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي"
(7/238) :
" لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه
كعبه ويقول : لا أتكبر فيه ؛ لأن النهي تناوله لفظاً ، وتناول علته ، ولا يجوز أن يتناول
اللفظ حكماً فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ ، فإنه مخالفة للشريعة ،
ودعوى لا تسلم له ، بل مِن تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعًا
" انتهى .
وذهب آخرون منهم إلى الحكم بالكراهة
وليس التحريم .
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد"
(3/244) :
" وهذا الحديث يدل على أن من جر
إزاره من غير خيلاء ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور ، غير أن جر الإزار والقميص
وسائر الثياب مذموم على كل حال " انتهى .
وجاء في "حاشية العدوي"
(2/453) :
" َالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُوصَ
مُتَعَارِضَةٌ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ بِدُونِ قَصْدِ الْكِبْرِ : فَمُفَادُ
"الْحَطَّابِ" – من علماء المالكية - أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ بَلْ يُكْرَهُ
، ومُفَادُ "الذَّخِيرَةِ" – كتاب للإمام القرافي - : الْحُرْمَةُ .
وَالظَّاهِرُ : أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ
الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْكَرَاهَةُ الشَّدِيدَةُ " انتهى .
وأما الشافعية : فصرحوا بأنه لا حرمة
إلا بقصد الخيلاء .
قال الإمام الشافعي رحمه الله – كما
نقله عنه النووي في "المجموع" (3/177) : " لا يجوز السدل في الصلاة
ولا في غيرها للخيلاء ، فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف ؛ لقوله صلى الله
عليه وسلم لأبي بكر رضى الله عنه وقال له : إن إزاري يسقط من أحد شقي . فقال له :
( لست منهم ) " انتهى .
وقال النووي في "شرح مسلم"
(14/62) :
" لا يجوز إسباله تحت الكعبين
إن كان للخيلاء ، فإن كان لغيرها فهو مكروه ، وظواهر الأحاديث فى تقييدها بالجر خيلاء
تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء ، وهكذا نص الشافعى على الفرق " انتهى .
واختار بعض الشافعية – كالذهبي والحافظ
ابن حجر – القول بالتحريم .
قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء"
(3/234) : رداً على من يسبل إزاره ويقول لا أفعل ذلك خيلاء . قال :
" فتراه يكابر ويبرِّء نفسه الحمقاء
، ويعمد إلى نص مستقل عام ، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء !
ويترخّص بقول الصديق : إنه يا رسول
الله ! يسترخي إزاري ، فقال : ( لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء ) !
فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن
يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا ، بل كان يشده فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي .
وقد قال عليه السلام : ( إزرة المؤمن
إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين ) ، فمثل هذا في النهي من
فصّل سراويل مغطيا لكعابه ، ومنه طول الاكمام زائدا، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس
" انتهى .
وأما الحنابلة : فقد نصوا على عدم التحريم
.
قال في : "الإقناع"
(1/139) :
" ويكره أن يكون ثوب الرجل تحت
كعبه بلا حاجة " انتهى باختصار .
وقال ابن قدامة في: "المغني"
(2/298) : " ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل ؛ فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء
حَرُم " انتهى .
وقال ابن مفلح "الآداب الشرعية"
(3/521) :
" وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ابن تيمية ) عَدَمَ تَحْرِيمِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ
لِكَرَاهَةٍ وَلَا عَدَمِهَا " انتهى .
وانظر : " شرح العمدة" لشيخ
الإسلام ابن تيمية ص (361-362) .
وقد اختار الصنعاني رحمه الله التحريم
، وكتب في ذلك كتاباً سماه "استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال"
.
فالقول عند جمهور العلماء هو الكراهة وليس التحريم
والله أعلم